أ. د. ممدوح إبراهيم الطنطاوي
تتجه أنظار العلماء والخبراء في شركات الأدوية العالمية المتخصصة إلى الطب العشبي والعلاج الآمن بالنباتات والمواد الطبيعية ليكون بديلاً للأدوية الكيماوية ، ويأتي عسل النحل الخام في مقدمة العلاجات البديلة التي ليس لها آثار جانبية .. فقد وجد العلماء أنه يحتوي على جملة من المواد الطبية عظيمة الفوائد ، والتي يمكن الاستفادة منها في علاج كثير من الأمراض الخطيرة والمستعصية .. وقد سبق الإسلام الحنيف العلم الحديث إلى إثبات تلك الحقيقة فقال الله تبارك وتعالى عن النحل :
{{ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }} (النحل:68 ـ 69).
ولم يخصص المولى تبارك وتعالى هذا الشفاء لمرض معين بل عممه فدل على أن العسل فيه شفاء عظيم لجل الأمراض العضوية التي تصيب الإنسان ، وفي الحديث الشريف عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
"إن أخي استطلق بطنه
فقال : { اسقه عسلاً فسقاه }
ثم جاء فقال : يا رسول الله قد سقيته عسلاً فلم يزده إلا استطلاقاً
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { اسقه عسلاً فسقاه }
ثم جاءه فقال : يا رسول الله قد سقيته عسلاً فلم يزده إلا استطلاقا ؛ قال :
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { صدق الله وكذب بطن أخيك اسقه عسلاً فسقاه عسلاً فبرأ } .
إنه والله درس عظيم وتوجيه تربوي نبوي كريم للمسلم في مسألة اليقين إذ يجب عليه أن يصدق كل ما جاء في كتاب الله العزيز وصحيح سنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب العسل ؛ فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل"
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " الشفاء في ثلاث : شربة عسل ، وشرطة محجم ، وكية بنار ، وأنهى أمتي عن الكي "
..وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (موقوفاً ) قال : " عليكم بالشفاءين..العسل والقرآن ".
وقد زخرت كتب الطب والتراث الإسلامي بمواضع كثيـرة تحكي عن عسل النحل وفـوائده واستخداماته .. يقـول العلامة ابـن القـيم : " العسل غذاء مع الأغذية، ودواء مع الأدوية ، وحلو مع الحلو ، وطلاء مع الأطلية ، ومفرح مع المفرحات ، فما خلق الله لنا شيئاً في معناه أفضل منه ولا مثله ، ولا قريباً منه ، ولم يكن معول القدماء إلا عليه "
وقال الزهيري : " عليك بالعسل فإنه جيد للحفظ ".
العسل في اللغة :
قال ابن منظور في لسان العرب :" العسل في الدنيا هـو لعاب النحل .. وعسل النحل هـو المنفرد بالاسم دون ما سواه من الحلو المسمى به على التشبيه " .
وللعسل أنواع كثيرة فالغليظ الأبيض منه يسمى " الضُرب " ، والمختلط منه بشمعه يسمى " الشهد " ، وأما الخالص من الشوائب فيطلق عليه : " الذوب " كما يطلق على النحل الصافي والخالص من منتوج النحل اسم:"رحيق النحل "
تركيب عسل النحل :
يحتوي عسل النحل على 19 مادة حيوية ، منها فركتوز وجلوكوز بنسبة 80 % يمتصها الجسم مباشرة دون أدنى تعب وبـه أمـلاح وفيتامينات ، وحامض الفورميك ، ويحتوي على 3 % بروتين ، و5 % معادن .. كما اكتشف الكيميائي الفرنسي : " ألن كاياس " كميات من الراديوم في عسل النحل
وقد أثبتت التجارب والتحاليل المعملية أن كل 100 جرام من العسل تعطي 300 سعر حراري ، والكيلو الواحد من عسل النحل النقي في قيمته الغذائية يعادل خمسة كيلوات من الحليب أو 26 أصبعاً من الموز أو 60 برتقالة ، أو خمسين بيضة أو 750, 11 كيلو جراماً من اللحم العجالي ، أو12 كيلو جراماً من الخضروات .. كما ثبت مؤخراً أنه يحتوي على أنزيمات خمائر النيتروجين ، والحوامض والزيوت الأثيرية وعناصر ثمينة تربو على 15 نوعاً أهمها السكريات .
العلاج بالعسل .. فوائد عظيمة :
أثبتت التجارب المعملية في معهد باستور بفرنسا ، وأبحاث الدكتور" ساكيت " بكلية الزراعة ب " فورت كولتز " أن العسل معقم ومضاد للبكتريا فعند وضع جراثيم مختلفة في قوارير مملوءة بالعسل المصفى ماتت جراثيم الدوسنتاريا بعد 10 ساعات، وماتت جراثيم النزلات الصدرية بعد أربعة أيام ، وماتت جراثيم التيفوئيد بعد 48 ساعة .. وقد استخدم عسل النحل قديماً في علاج كثير من الأمراض ، واتجه كثير من الأطباء المعاصرين إلى استعماله مفرداً أو مخلوطاً لعلاج كثير من الأمراض الشائعة وبعض المستعصية ومن أهمها :
أولاً : تصلب المفاصل : لعسل النحل تأثير عظيم في علاج تصلب المفاصل إذ توجد فيه مادة لها القدرة على شفاء تصلب الرسغين الذي يصيب الإنسان ، وتقوم المؤسسات الطبية العالمية باستخراج ما يعرف ب " سم النحل " الذي يفرزه عن طريق آلة اللسع لاستعماله في معالجة بعض الأمراض المستعصية والروماتيزمية ، و اللمباجو وعرق النسا .. كما أن كثيراً من المشتغلين بالعلاج التقليدي الشعبي يعالجون بعض الأمراض في المناحل بقرص النحل ولسعه .
ثانياً : الجروح والحروق : يستخدم عسل النحل في علاج الجروح إذ أن له تأثيراً إيجابياً على التئامها وفيه مواد تساعد على نمو الأنسجة البشرية ، وكذا يستخدم في حالات الحروق مخلوطاً بزيت كبد الحوت بنسبة 1:4 مع إضافة بعض المواد المطهرة فيحول دون تقيح الحروق وظهور الفقاقيع ، ويعمل على تلطيفها وإزالة آثارها .
ثالثاً : قرحة المعدة و الإثنى عشر : يقلل عسل النحل من حموضة المعدة لكونه مادة قلوية فيهبط حامض الهيدروكلوريك إلى معدله الطبيعي ، وقد استخدم الدكتور سالم نجم الأستاذ بطب الأزهر عسل النحل في علاج المرضى الذين يعانون من تقرح الأمعاء الغليظة على هيئة حقن شرجية أثبتت فاعلية العسل وفائدته في التئام القروح ، وتصل نسبة الشفاء بعسل النحل من قرحة المعدة والعفجية إلى ضعف نسبة الشفاء بأي دواء آخر
رابعاً : في علاج مرضى السكري : يمكن لمرضى السكري الاستفادة من عسل النحل .. يقول الدكتور حسام الدين أبو السعود في كتيبه (الطب الشعبي حقائق وخرافات ) : (بعض العطارين يصفون مزيجا من 20 جراما زنجبيل ومثله من حب الهيـل، و30 جراما من الشعير، ويسحق الخليط في نصف كيلو عسل نحل صافي ليصبح مثل العجين ، ويؤخذ منه ملعقة صغيرة بعد الأكل ثلاث مرات يوميا لمدة 20 يوما)
كما يمكن لمرضى داء السكري تناول العسل الصافي مع الخبز في الوجبات ، كما يمكن تناول ملعقة كبيرة منه مع كوب رايب ( زبادي) على الريق وهو عظيم النفع لهم .
خامساً : في حالات نزلات البرد : يستعمل العسل في هذه الحالات بالاستنشاق بعد عمل محلول مكون من 10 % من العسل في الماء ويرش المحلول برشاش خاص أو يستنشق في الحلق والأنف لمدة 5 دقائق وبذلك يزول الزكام والتهاب الحلق والسعال، ومن الأفضل أن يتبع ذلك مضغ قطعة من الشمع الطبيعي لأقراص العسل .
ويساعد هذا العلاج أيضا في شفاء التهابات الجيوب الأنفية وإزالة الحساسية في الأنف .. ويوصي الدكتور "هيرتويح" أخصائي العلاج بالتغذية باستعمال 100 جم من العسل ممزوجة مع نصف ليمونة كعلاج للزكام والرشح .
سادسا : في حالات أخرى : يستخدم عسل النحل الصافي في علاج أمراض أخرى كثيرة لا يتسع المقام لحصرها ومنها أنه مهدئ للأعصاب وملطف لالتهابات العين ، وهو علاج للأطفال الذين يتبولون في الفراش ، وفي حالات فقر الدم ، والتهاب الكبد ، والسعال ، والتسمم الكحولي ، والتشنجات العصبية ، وفي عمليات التجميل ، والتهاب اللوزتين.. إلخ .
غذاء ملكات النحل :
عبارة عن مادة غروية بيضاء معقدة التركيب إذ تحتوي على حوالي 48 % بروتين ، و13 % دهنيات ، و3 % مواد معدنية ونسبة ضئيلة من الأحماض الأمينية ، ولهذه المادة خاصية فريدة في قتل الميكروبات ناهيك عن فوائدها الصحية .. يقول عبدالرزاق نوفل :
( أعلن البروفيسور" كلود هيليو" من علماء فرنسا أن هناك نوعا من عسل النحل يسمى عسل النحل الملكي، له قدرة على إفناء جميع أنواع الجراثيم .. إنه سيحقق للإنسانية حلمها في إطالة العمر و الاحتفاظ بالصحة أطول زمن ممكن ) ويقول نوفل أيضا : وفي عام 1976 قرر العلماء أن النحل يفرز مادة أسماها لبن النحل وأنها تعتبر وقاية وعلاجا .. وأنها تعالج الإرهاق والتعب وتعيد الشباب والفتوة إلى ما تجاوزها) .
موضوع: عسل النحل .. إعجاز وشفاء 
الأحد أغسطس 12, 2007 1:21 am
