تزخر المكتبات العربية ودور العلم بالعديد من الكتب والمؤلفات تثري المخزون المعرفي للقارئ ومن بين هذه الكتب «لهجات العرب في القرآن الكريم» لعبد الله عبد الناصر جبري وهو في الاصل اطروحة نال بها جبري درجة الماجستير.
وقد كانت فكرة طيبة اصدار هذه الأطروحة في كتاب: لقيمتها أولا، ولأن جلّها من الصعب الحصول عليه من مصادره ثانيا لأسباب سنتطرق إليها فيما بعد.
يقع الكتاب في أربعة فصول، لكل فصل عدد من المباحث تطول أو تقصر حسب تداعي الموضوع وتناول الفكرة فآن الفصل الأول كان بعنوان «دراسة حول القبائل العربية في شبه الجزيرة العربية».
أمّا الفصل الثاني فتناول جوانب اختلاف اللهجات بين القبائل العربية،
وفي الفصل الثالث دراسة متمعنة للغة القرآن الكريم، أمّا الفصل الرابع فهو يبحث في أثر اللهجات العربية في التفسير (آيات الأحكام خاصة).
جذور فكرة الكتاب وتطورها:
يشير المؤلف في المقدمة الى الأسباب الحقيقية التي دفعته إلى الكتابة في هذا الموضوع الذي لم ينل ما يستحقه من الدراسة ولما له من علاقة مباشرة بالقرآن الكريم .. الذي شكّل لديه حافزا قويا لمعرفة مصادر القراءات القرآنية المختلفة التي رُوي الكثير منها بلا غرو إلى لهجة قبيلة معينة.
ثم يتوقف عند المنهج الذي سعى إليه اثناء بحثه، من عرض للقضايا ومناقشتها والاستعانة بالأدلة والشواهد وما إلى ذلك من دراسة كتب اللغة واللهجات والأدب وعلوم القرآن الكريم والموسوعات العربية غير مستثنٍ أيا من المصادر والمراجع القديمة كانت أو الحديثة منتقلا بعدها للحديث عن الصعوبات الجمة التي تواجه الباحث في هذا النوع من الأبحاث محددا إياها في عدة نقاط أهمها:
1- البعد الزمني بين الوقت الحاضر وبين اللهجات العربية القديمة.
2- خلط اللغويين في معاجمهم بين ما هو فصيح - لاستكماله شروط الفصاحة - وما هو من اللهجات.
3- التصحيف والتحريف ابتليت بهما اللهجات العربية القديمة.
وفي التمهيد يمعن المؤلف في تحديد المفاهيم والمصطلحات من خلال تعريفها، فيبدأ باللغة ثم اللهجة وينتهي بالقرآن الكريم، ولا يغفل عن توضيح الفرق بين اللغة واللهجة.
في فصول الكتاب يتناول المبحث الأول من الفصل الأول القبائل العربية التي استوطنت شبه الجزيرة العربية متتبعا حركاتها وتوجهاتها واماكنها وانسابها ومدى تأثيرها في غيرها وتأثرها.
أمّا المبحث الثاني فيعرض لنماذج من اللهجات المشتهرة بين القبائل العربية ومن بينها: 1- العنعنة 2- الكشكشة 3- الكسكسة 4- الاستنطاء 5- العجعجة 6- الطمطمانية 7- إحلال الصاد محل السين 8- إحلال الزاي محل الصاد 9- التلتلة 10- حركة فاء الفعل الأجوف إذا بني للمجهول .. الخ.
أما المبحث الثالث والرابع من الكتاب فهما توضيح لمعنى الفصاحة لغة واصطلاحا وذكر الفصيح من اللهجات العربية والضعيف منها مع تحديد الشروط التي وضعها العلماء لخدمة هذا الغرض.
اختلاف
أما الفصل الثاني من الكتاب والذي يحمل عنوان «اختلاف اللهجات بين القبائل العربية» فوضعه في مبحثين المبحث الأول: يذكر الأسباب الحقيقية لاختلاف اللهجات العربية بصورة عامة. ويعزوها الى نواح جغرافية واجتماعية وفردية بالإضافة الى نواح أخرى تتعلق باحتكاك اللغات واختلاطها في حالة الحرب والسلم، والمبحث الثاني فيتخصص بالحديث عن انواع اختلاف اللهجات العربية من النواحي الصوتية والصرفية والاشتقاقية الدلالية. عارضا الأدلة والبراهين ومستشهدا بالأدلة القرآنية.
لغة القرآن
الفصل الثالث من الكتاب يضم ثلاثة مباحث تحت عنوان (لغة القرآن الكريم) يبدأ المبحث الأول فيها بتوضيح مميزات اللغة العربية وخصائصها التي امتازت عن غيرها، وسبب نزول القرآن الكريم بها ويقوم المبحث الثاني على ذكر أهم القبائل التي ورد ذكر لهجاتها في القرآن الكريم، عارضا الآراء المذكورة حول تلك القبائل مناقشا لها، محاولا التزام الموضوعية دون ترجيح رأي على آخر.
ويُختتم المبحث الأخير من الفصل الثالث بالتحدث عن أثر القرآن الكريم في حفظ اللغة العربية وتوحيد لهجاتها بعد أن كانت على شفير التباعد حيث اتصل الدين باللة اتصالاً وثيقاً ولّد عنه اهتمام بضبط نصوص القرآن الكريم وجمع الشواهد اللغوية وهيكلة مناهج التعليم بالمزج بين المعارف الدينية واللغوية في الكتاتيب والمساجد والمدارس إلى ما هنالك.
«أثر اللهجات العربية
في العلوم الأخرى»
وهذا هو موضوع الفصل الرابع والأخير من الكتاب وهو في ثلاثة مباحث يتناول المبحث الأول: علاقة القراءات القرآنية باللهجات العربية وأثرها فيها من حيث مساعدتها في توحيد لهجاتها وحفظها من الاندثار، مظهرا دور اللهجات العربية أيضا في تكوين هذه القراءات ونشوئها وتعدّدها.
اما المبحث الثاني، فيتناول أثر اللهجات العربية في التفسير (آيات الأحكام خاصة) ويلقي الضوء على اسباب اختلاف كتب تفسير القرآن الكريم التي أدت إلى اختلاف المذاهب الفقهية وتباينها، والتي ترد الى تعدّد اللهجات واختلافها في بعض المفردات.
اما المبحث الثالث في هذا الفصل فخصص حول اللهجات العربية وعلم اللسانيات. ويقوم على دراسة متعمّقة لنتاج ثلاثة من علماء اللسان هم- الخليل بن احمد الفراهيدي وابو الفتح عثمان بن جني والدكتور أنيس ابراهيم في ثلاثة أزمنة متعاقبة - ومناقشة فعلية لنماذج مختارة من نصوصهم وآرائهم فيما ورد من مواد لسانية أتوا على ذكرها.
خلاصة
القسم الأخير من الكتاب هو خاتمة لخلاصة ونتائج أبرز ما توصل اليه المؤلف في هذا البحث، ويلخصها في عدة أمور منها:
1- عدم تساوي القبائل العربية في الفصاحة وفهم المعاني.
2- اشترطت بعض القبائل بلهجة واحدة تبعا لبعض العوامل المؤثرة فيها.
3- اختلاف لهجات القبائل العربية فيما بينها لم يمس القدرة على التفاهم بينها وإنما اقتصر على الاختلاف في الأصوات والبنية.
4- إرجاء فكرة نزول القرآن الكريم بلهجة قريش والتأكيد على تمازج اللهجات في القرآن الكريم.
5- القراءات القرآنية مادة خصبة لموضوع اللهجات العربية واستخراج مكنوناتها.
6- دور اللهجات العربية وأثرها في فهم آيات القرآن الكريم وتفسيرها.
7- علم اللسانيات تراث ضخم لكل باحث ودارس